حددت وزارة الأوقاف موضوع خطبة الجمعة القادمة 17 يناير بعنوان “خطورة التكفير”
حددت وزارة الأوقاف موضوع خطبة الجمعة القادمة 17 يناير بعنوان “خطورة التكفير”

وهذه خطبة مقترحة من اعداد “هانى طاهر الجورنالجي”
الحمد لله الذي أكرمنا بالإسلام دينًا، وجعلنا من أمة التوحيد والاعتدال، نحمده سبحانه وتعالى ونشكره على نعمه التي لا تُحصى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلوات ربي وسلامه عليه، وعلى آله وأصحابه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فيا عباد الله، أوصيكم ونفسي المقصّرة بتقوى الله، فهي وصية الله لعباده المؤمنين في قوله تعالى: “{وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ}” [النساء: 131].
حديثنا اليوم عن قضية خطيرة تهدد وحدة الأمة، وتفتح أبواب الفتن بين المسلمين، ألا وهي قضية التكفير. التسرع في الحكم على الآخرين بالكفر له عواقب عظيمة على الأفراد والمجتمعات.
أيها المسلمون، التكفير قضية حساسة جدًّا، ومكانة المسلم في الإسلام عظيمة. النبي صلى الله عليه وسلم يقول: “أيما امرئ قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما، إن كان كما قال وإلا رجعت عليه” [متفق عليه]. تأملوا هذا الحديث، فإن فيه تحذيرًا شديدًا من الوقوع في هذا المنزلق الخطير.
الحديث يُظهر خطورة التسرع في إطلاق أحكام الكفر على الناس.
فالإسلام شدد على التثبت في إصدار الأحكام، وخاصة التكفير؛ لأنه حكم خطير جدًا يترتب عليه عواقب كبيرة في الدنيا والآخرة.
ولأن التكفير ليس مجرد وصف عابر، بل يعني إخراج الشخص من الإسلام، مما يؤدي إلى استحلال دمه وماله، وقطع علاقته بأمة المسلمين.
فالتسرع في التكفير يفتح باب الفتن والعداوة بين المسلمين، ويهدد وحدة المجتمع الإسلامي.
“خطورة التكفير على الفرد”
التكفير بغير حق يعرض صاحبه لخطر عظيم يوم القيامة، إذ قد يحاسب على ظلمه لمسلم بريء.
وقد يخرج الشخص المتسرع في التكفير عن دائرة الإيمان، إن كان تكفيره مبنيًّا على جهل وتعصب.
“خطورة التكفير على المجتمع”
التكفير يؤدي إلى تمزيق وحدة المسلمين وإشاعة الفتن بينهم.
والتكفير يؤدي استباحة الدماء والأموال بغير حق، وهذا من أعظم الجرائم.
والتكفير يُضعف قوة الأمة ويُشغلها بنفسها عن أعدائها.
قال الله تعالى:
“{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَىٰ إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَٰلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا}” [النساء: 94].
الله سبحانه وتعالى يخاطب المؤمنين ويوجههم إلى التثبت والتأكد قبل إصدار الأحكام على الآخرين.
عندما تكونون في جهاد أو سفر (في سبيل الله)، يجب عليكم عدم التسرع في الحكم على من يُظهر الإسلام أو السلام، حتى لو كان ذلك لأسباب ظاهرة، مثل تجنب القتل.
وسبب نزول الآية:
حيث نزلت الآية في قصة تتعلق بصحابي قتل رجلًا ألقى السلام أو شهد الشهادة ظنًا أنه فعل ذلك خوفًا من القتل، وليس عن إيمان حقيقي.
الله سبحانه وتعالى أنكر هذا الفعل، وأمر بالتثبت لأن الظاهر من الإسلام يكفي للحكم بالإيمان.
ف لا يجوز للمسلم أن يحكم على نوايا الناس أو يشكك في إيمانهم بناءً على الظاهر فقط.
والآية تشدد على صون دماء المسلمين وغيرهم دون حق.
والآية تحذر المسلمين من التسرع في التكفير أو التشكيك في نوايا الآخرين.
فيجب على المسلمين التعامل مع كل من يُظهر الإسلام أو يسالمهم على أنه أخ لهم، حتى يتبين العكس.
“ضوابط التكفير في الإسلام”
أيها المسلمون، ديننا الحنيف وضع ضوابط صارمة للتكفير منها:
أن يكون الحكم مبنيًّا على دليل قطعي الثبوت والدلالة: لا يجوز التكفير بناءً على الظنون أو الاجتهادات.
وانتفاء الموانع: مثل الجهل، أو التأويل، أو الإكراه.
وان الحكم من اختصاص أهل العلم الراسخين: وليس من حق أي شخص أن يكفر الآخرين.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “ليس كل من وقع في الكفر وقع الكفر عليه، حتى تُقام عليه الحجة وتُزال عنه الشبهة.”
“أمثلة على خطورة التكفير”
أيها الأحبة، في تاريخ الأمة أمثلة عديدة على عواقب التسرع في التكفير، منها ما حدث في زمن الخوارج الذين كفّروا الصحابة واستحلوا دماءهم. انظروا إلى ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم عنهم: “يخرج قوم من أمتي يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية.” [رواه البخاري].
النبي صلى الله عليه وسلم يحذر من ظهور فئة من الناس في أمته يكون ظاهرهم التدين والالتزام، حيث يكثرون من قراءة القرآن، لكن قراءتهم سطحية، لا تؤثر في قلوبهم ولا تفهم عقولهم معانيه الصحيحة.
“لا يجاوز حناجرهم”: أي أن قراءتهم للقرآن لا تتجاوز أفواههم أو أصواتهم، فلا يصل أثرها إلى قلوبهم ولا يعملون بها.
“يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية”: يشبه خروجهم السريع من الدين بخروج السهم من الصيد بسرعة دون أن يترك أثرًا فيه، أي أنهم يبتعدون عن روح الإسلام وجوهره رغم التزامهم الظاهر.
صفات هؤلاء القوم:
يهتمون بالمظاهر الدينية (مثل قراءة القرآن) دون فهم أو تدبر.
يتشددون في الدين ويتجاوزون حدوده، فيُكفرون المسلمين بغير حق.
يُقاتلون المسلمين ويتعاملون معهم كأعداء، بينما يتركون أهل الكفر الحقيقي ولا يعادونهم.
فالحديث الحذر من الغلو والتشدد: الإسلام دين وسطية واعتدال، والغلو يُخرج صاحبه عن الحق.
والحديث يدعو إلى التعلم والفهم قبل العمل: المسلم مطالب بتعلم الدين فهمًا صحيحًا ليعمل به عن بصيرة.
والحديث يبين لنا ان التكفير وإخراج الناس من الدين أمر خطير جدًا، ولا يجوز إلا وفق ضوابط شرعية صارمة.
وهذا الحديث يُشير إلى الخوارج، وهي فرقة ظهرت في صدر الإسلام عُرفت بالغلو والتشدد، حيث كفّروا الصحابة والمسلمين بغير حق، وقاتلوا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
وعن صلة هذا الحديث بالواقع:
ففي العصر الحديث، نرى بعض الجماعات المتشددة التي تُكفّر المسلمين، وتعتدي عليهم، وتستند إلى فهم خاطئ للدين.
وهذا الحديث يُذكّرنا بخطورة هذه الظاهرة، وضرورة الالتزام بفهم العلماء الراسخين الذين ينقلون لنا الدين بفهم صحيح.
عباد الله، الإسلام دين الوسطية والاعتدال. يقول الله تعالى: “{وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا}” [البقرة: 143]. فلا يجوز للمسلم أن يخرج عن هذه القاعدة في تعاملاته وأحكامه.
اقول قولي هذا والتائب من الذنب كمن لا ذنب له
“الخطبة الثانية”
الحمد لله الذي أمر بالعدل والإحسان، ونهى عن الظلم والعدوان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فيا عباد الله، حديثنا في الخطبة الثانية تتمة لما بدأناه في الأولى، وهو ضرورة التثبت والحذر في التكفير.
عباد الله، التكفير يؤدي إلى فرقة المسلمين وضعفهم أمام أعدائهم.
يقول الله تعالى: “{وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ}” [الأنفال: 46].
وقد جاء نزول هذه الآية جاءت ضمن توجيهات الله للمسلمين في غزوة بدر، حيث أمرهم بالثبات والتعاون، وحذرهم من التنازع الذي قد يؤدي إلى الهزيمة.
فعندما يختلف المسلمون فيما بينهم، يضعفون وتضيع مصالحهم المشتركة.
والتنازع يُعطي فرصة للأعداء للسيطرة والهيمنة، لأن تفرق المسلمين يُضعف قوتهم.
والآية تعبر عن حال الأمة اليوم:
فالاختلافات والنزاعات بين المسلمين في العصر الحالي أدت إلى تراجع قوتهم وهيبتهم على المستوى العالمي.
الحل يكمن في العودة إلى التمسك بكتاب الله وسنة نبيه، والابتعاد عن كل ما يسبب الفرقة.
قال النبي صلى الله عليه وسلم:
“المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا.” [رواه البخاري ومسلم].
فانظروا إلى واقع الأمة اليوم، كم من الفتن والحروب قامت بسبب التسرع في التكفير، وكم من الأبرياء سُفكت دماؤهم بغير حق.
وقبل الختام فأن واجب المسلمين تجاه هذه القضية
هو طلب العلم الشرعي الصحيح: حتى يفهم المسلم دينه فهمًا سليمًا.
والرجوع إلى العلماء الراسخين: في كل ما يشتبه عليه.
والابتعاد عن التعصب: والالتزام بالوسطية التي جاء بها الإسلام.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: “يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا.” [متفق عليه].
واخيرا وليس اخرا نختم بقصة عن النبي صلى الله عليه وسلم
قصة عن عدم التعصب والتكفير
قصة الرجل الذي قال: “وَاللهِ لا يَغْفِرُ اللهُ لِفُلانٍ”
ورد في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
“كان رجلان في بني إسرائيل متآخيين، وكان أحدهما يذنب، والآخر مجتهد في العبادة، فكان لا يزال المجتهد يرى الآخر على الذنب، فيقول: أقصر، فوجده يومًا على ذنب، فقال: أقصر، فقال: خلِّني وربي، أبعثت عليَّ رقيبًا؟ فقال: والله لا يغفر الله لك، أو لا يدخلك الله الجنة. فقبض أرواحهما، فاجتمعا عند رب العالمين، فقال لهذا المجتهد: أكنتَ بي عالمًا، أو كنتَ على ما في يدي قادرًا؟ وقال للمذنب: اذهب فادخل الجنة برحمتي، وقال للآخر: اذهبوا به إلى النار.” [رواه مسلم].
فهذه القصة تُعلمنا أن الإنسان لا يملك الحق في الحكم على الآخرين بالكفر أو الحرمان من رحمة الله. الحكم لله وحده.
وتبين لنا رحمة الله واسعة:
الله سبحانه وتعالى يغفر الذنوب لعباده إذا تابوا وأخلصوا، وليس لأحد من البشر أن يحدّ من رحمته.
وتعلمنا التواضع مع الناس:
فلا ينبغي للمسلم أن يتكبر على أخيه أو يُظهر أنه أفضل منه بسبب عبادته، بل يجب أن يكون ناصحًا برفق.
وتبين لنا ان الكلمة التي قالها الرجل المتعبد: “والله لا يغفر الله لك” كانت سببًا لهلاكه، لأن فيها جرأة على الله وتعديًا على حقه.
فالعبرة في النهايات:
قد يكون المذنب أقرب إلى رحمة الله من المتعصب المتكبر، لأن الله ينظر إلى القلوب والأعمال، وليس إلى الظاهر فقط.
وعن صلة القصة بواقعنا:
ففي عصرنا، كثيرًا ما نشهد تعصبًا بين الناس، حيث يكفر بعضهم بعضًا بناءً على الظاهر أو الخلافات الفكرية. هذه القصة تذكرنا بخطورة هذا السلوك، وضرورة التعامل مع الناس برحمة وحكمة.
قال الله تعالى:
“{قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ}” [الزمر: 53].
اللهم إنا نسألك أن تحفظنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن.
اللهم جنبنا الغلو والتطرف، واهدنا إلى الوسطية والاعتدال.
اللهم اجمع كلمة المسلمين على الحق، ووفقنا لما تحب وترضى.
اللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، ولا تجعلنا من الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا.
اللهم أصلح قلوبنا، وأزل عنا الأحقاد والضغائن، واهدنا سواء السبيل.
اللهم احفظ بلادنا وبلاد المسلمين من كل سوء، واجعلنا فيها من المصلحين.
اللهم وفق ولاة أمورنا لما فيه خير البلاد والعباد، واجعلهم عونًا على طاعتك، وسدد رأيهم وأعمالهم.
اللهم إنا نعوذ بك من الفتن، ما ظهر منها وما بطن، ونسألك الثبات على الحق حتى نلقاك.
اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
عباد الله، اذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.
وأقم الصلاة