العمق المعرفي

العمق المعرفي


قبل أن نغوص إلى لُجة بحر مقالتنا دعونا نطرح سؤالاً والذي سننطلق من خلاله إلى رحلتنا وهو: ماهو العمق المعرفي؟
العمق المعرفي -من وجهة نظري الخاصة- هو أن تصل لمرحلة من “التأمل والتحليل المنطقي” الممنهج القائم على عدة مراحل وأسباب وجيهة تدفعك للوصول لنتائج سليمة بشكل قطعي لا ريب فيها..
دعوني أفسر أكثر وأشرح لكم التعريف ، فهل أنت مستعد عزيزي القارئ؟

2-1024x1024 العمق المعرفي

لنبدأ إذاً ، وأرجو منك عزيزي القارىء تفضلاً التركيز في كل كلمة، فالتعريف يحمل بين أضلعه الكثير، وسوف نتناول مسألة العمق المعرفي على هيئة مراحل ، كل مرحلة تترتب على الآخرى.

مرحلة التأمل:-
تلك المرحلة التي ليس من السهل الوصول إليها في تلك الآونة المتطورة ، والتي تتميز بأن الأحداث فيها تسير بوتيرة سريعة جداً ، تتزاحم الأحداث والمواقف والأشخاص ، وهذا ما يجعل المرء سريع القرارات والحكم على الأمور والأشخاص ، وله كل العذر في ذلك ، إضافة إلى ذلك أخذ الأمور بحكم ظاهرها فقط ، فلا مجال للتأمل ، فزخم الأحداث السريع يزيد من قوة دفع الأمور، وبالتالي ينعكس على القرارات ، بل لا وقت للتأمل! ، فتلك المرحلة التي تتطلب من المرء الممارسة حتى يعتاد التأمل في كل شيء حينها سيصبح التأمل لديه آلة تلقائية مثمرة، وليس التأمل في الأمور أو القرارات فقط ، بل في كل شيء ستجد التأمل قرينك دائماً.

مرحلة التحليل المنطقي المُمَنهج:-
تلك المرحلة الثانية والتي تأتي بعد مرحلة التأمل ، وهذا ما يحدث بشكل هرمي سليم ، فقاعدة الهرم هي التأمل ، وبعدما تتأمل ستجد نفسك تتطرق للتحليل المنطقي الممنهج تلقائياً ، هنا فقط تجد العقل أكثر اتزاناً ورجاحة وقوامة ، وعليه تجد القرارات والانفعالات والحكم على الأمور دقيقاً جداً سليماً منطقيا ً، ولا أريدك أن تنسى كلمة ” ممنهج” والتي قد اتسقت مع التحليل المنطقي لتدعونا بدعوة آمرة لذكرها وتحليلها.
ذكرت للتو “التحليل المنطقي الممنهج” والذي يقوم على عدة مراحل فما هي تلك المراحل إذاً ؟

المراحل هنا هي المراحل (التَعلِيمِية أو التَعَلُّمِيَة) لاحظ معي الفارق بين اللفظتين من حيث التركيب اللغوي ” المفردات”، فالمراحل التَعلِيمِية هي مراحل الدراسة المعتادة لنا جميعاً ، أما التَعَلُّمِية فبإمكان أي أحد حتى لو لم يدرس في المدارس أو الجامعات أن يتعلم ذاتياً بشكل فردي لآنه أمر مكتسب ، ولكن في نهاية المطاف النتائج واحدة نسبياً وهي أن العقل تلقى المعرفة التي تُعينه على التحليل المنطقي الأكثر فائدة وصحة ونوراً وأقل خطراً وظلاماً ، هذا منطقي جداً فالعلم والمعرفة هما النور الكامن داخل العقل ، بهما يبدأ العقل مستدلاً ومستشهداً بمخزونه المعرفي بتحليل الأمور، فيصل لأفضل القرارات وأفضل الأحكام والانفعالات والسلوكيات ، فعلى قدر علمك وثقافتك تكون قوة تحليلك وعمق معرفتك ونضجك المعرفي.

أود في نهاية حديثي أن أقدم نصيحة لكل من يرغب في الوصول للعمق المعرفي وأن ينعم بنور العلم والمعرفة وهي أن (رُبَّ متعلم لا يعلم من علمه شيء ، ورُبَّ غير متعلم مثقفاً يدرك من المعرفة ما لا يدركه أقرانه من المتعلمين) ومن هنا تأتي أكبر مشكلة قد تواجه أي أحد يتعلم وهو ” الكِبْر” فالكِبر آفة العلم والتعلم ، الإنسان إن تكبر على التعلم أو التلقي عن الغير يصبح جاهلاً قولًا واحداً ، وليس الجهل مخزولاً في العلم فقط ، ولكن الجهل في كل شيئ، ولأن العلم يتطور الإنسان أيضاً يتطور، وما دام يتنفس فهو متعطشاً دائماً وبحاجة لاكتساب المعرفة والعلم الحديث لمواكبة الحياة ومتطلباتها.